إعلام {نا}

تمخض الجمل فولد فأرا، هو مثل قديم، فالجمل بحجمه لم يلد إلا فأرا، ويطلق المثل على الضجة الكبيرة التي تطلق على شيء ما ويظهر هذا الشيء أمرا بسيطا لايستلزم نصف الضجة التي أطلقت من أجله، ربما الحال ينطبق على حال الإعلاميين عندنا .
فمنذ الأزل ونحن نسمع نواحهم على الدولة وكيف أنها تحتكر السمعي البصري ولا تسمح بإنشاء قنوات تبث من الجزائر لكن طيلة فترة نواحهم لم يحركوا ساكنا لدفع القضية للأمام أو يعدوا أنفسهم لعهد مابعد تحرير السمعي البصري، وفجأة هب الربيع العربي على كل العالم العربي ومنها الجزائر، فأبدى قادتنا النية لفتح المجال السمعي البصري للقطاع الخاص، وقبل أن تسن القوانين لذلك إكتشفت جريدة جزائرية "شعارها : أكبر جريدة في بلاد الواق واق والعالم" أنه يمكن إنشاء قناة تبث من خارج الجزائر فلا داعي لسن القوانين في الجزائر ليطلقوا بثهم منها واكتشفت أن فتح قناة ليس بالأمر الذي يتطلب أموالا ضخمة وهو مايعبر عنه تنامي القنوات العربية كالفطر، فظهر أن نواح الإعلاميين القديم لم يكن إلا لجعل احتكار السمعي البصري من طرف الدولة "قضية ضخمة" ليحكوا عنها في جرائدهم، فليس لهم ما يحكوا عنه. نعم لم يكن للإعلاميين عندنا مايحكوا عنه طيلة سنوات التعددية الإعلامية. فمنذ 1990 لم تكن هناك إلا قصصا سطحية تناولتها جرائدهم بالحديث جاعلة منها الشغل الشاغل للرأي العام الوطني فلم تكن إلا ثرثرة وأي ثرثرة. وعودة إلى جريدة "المدافع عن الكرامة الوطنية وحرية أخرى وين حبيت" التي إكتشفت أن بث قناة من خارج الجزائر أمر بسيط سهلته تكاثر المدن الإعلامية فمن مدينة الإعلام في مصر إلى مدينة الإعلام في دبي لم يعد فتح قناة أمر يهلل له شعب بأكمله، وتكريسا لعدم إمتلاك المؤسسات الإعلامية قصصا جدية تناقشها في وسائلها فلم يكن للقناة الجزائرية المستقلة المستعمرة الأولى الكبرى المدافعة عن العرب والعربان والشرف العربي العزيز إلا ان كانت اول مادة إعلامية تبثها هي نقاش تافه عن كرة القدم مملوءة به القنوات الرياضية التي حللت عالم الكرة في كل العالم وحتى الجزائر.
لكن مهلا هذه الحصة لم تبث فقالت القناة أنه تأخر بثها لأسباب تقنية "ياسعدي!!!" المعنى أنها لم تكن مستعدة تقنيا لفتح قناة ولو أنها استثمرت سنوات النواح في السعي لإمتلاك التقنية بدل الجلوس والنواح مع النائحين لما كان هناك تأخير لأسباب تقنية، ثم إن أول حصة تبث تتعلق بكرة القدم تعني أن الجزائريين ليس لهم حياة إلا الكرة، وهذه واحدة.
لكن الكرة لاتطعم شعبا جائعا، وكان الأولى أن تكون حصة تتعلق بمناقشة الأحداث الراهنة في العالم العربي والتغييرات الحاصلة في ليبيا وتأثيرها على الجزائر، وتتحدث عن الإقتصاد والمستقبل الإقتصادي للجزائر في ظل الأزمة الإقتصادية العالمية وتأثير إنكماش الأسواق على توفير فرص عمل جديدة. فهذا هو حقا مايهم وليس الكرة.
الآن هل نحن قادرون في المرحلة المقبلة أن نقدم إعلاما فعالا ويبني أشياء إيجابية كما كنا قادرون على النواح بالأمس، أم لن نصنع شيئا فنحن لانحترف إلا البكاء والعويل، سؤال ستحمل إجابته الأيام القادمة، فلنرتقب إنا من المرتقبين.